أنت الجاني يا أبي
هاتفتني فتاة في ذات يوم قائلةً ياشيخ لجأتُ إليك بعد الله بعد أن ضاقت بي الدنيا على سعتها وحاصرتني الهموم .ولم أجد المعين والناصر وسمعتُ بجمعيتكم الخيرة و لعلي أجدُ لديكم الحل !
قلتُ هوني عليك ياأخيتي قولي ماهي مشكلتك؟
فقالت : ياشيخ مشكلتي ليست واحدة بل عدد من المشكلات المتداخلة .... قلتُ لها هاتِ ماعندك . قالت ياشيخ من العادات السلبية المتفشية داخل قبيلتنا أن البنت لايتزوجها الا أحد أبناء القبيلة وإن لم يتقدم لها أحد بقيت على حالها إلى أن تموت وأما من يتقدم من خارج القبيلة فطلبه مرفوض حتى لو كان ممن يشهد لهم بالدين والخلق والنسب الطيب . المهم لا أطيل عليك يا شيخ في الكلام لم يتقدم لي أحد من جماعتي ,وبينما كنتُ في زيارة لإحدى صديقاتي شاهدني اخُ لها دون علمي وأسر إلى أخته بإعجابه بي ورغبته التعرف عليً وخطبتي , فأخبرتني بذلك ووافقت عليه وبدأ يجلس معي وأخته في مكان واحد ويدور بيننا الحديث في مواضيع شتى ومنها كيفية خطبته لي وإقناع أهلي . علماً أنني قمت بتشجيعه على التقدم لخطبتي من والدي لعل الله ان يهديه ويوافق
فذهب إلى أبي وخطبني فرد الوالد بالموافقة ولكن طالبه بمهر كبير ليعجًزه !!
وعندما خرج من عند والدي هاتفني و أخبرني بالخبر فقلت : الأمرُ يسير لدي مبلغ أعطيك إياها لتكمل المبلغ ويتم الزواج على خير فأخذت المال وسلمته له وذهب به إلى والدي فما كان من والدي الا أن رفضه فخرج يجر أذيال الخيبة فأخبر أخته ورسما مكيدة وخطة محكمة ضدي . هاتفتني صديقتي وطلبت مني الحضور لأمر هام فعندما أدخلتني الغرفة خرجت وبعد وقت قصير دخل أخوها لوحده على غير العادة وأغلق الباب وبدأ قلبي يدق والخوف يتملكني فما كان منه الا أنه هجم علي كالوحش الكاسر ولم يجُدِ معه توسلي إليه ولم استطع الدفاع عن نفسي وسلب عفتي ..... وأخذت أكفكف دموعي .ورأيت الموت لهول المصيبة ويالها من مصيبة لقد هُتكَ شرفي ودٌنست كرامتي وتحطمت نفسيتي وضاع مستقبلي فبينما أنا كذلك إذ به يدخل مرةً أخرى وأخته خلفه وهما يتضاحكان ويتمايلان مسرورين بما حصل .
صرخت في وجهيهما ودعوت عليهما وقلت أما تشعران بما أنا فيه من مصيبة فردا وهما يتضحكان بـهذه الطريقة سوف يوافق والدك على الزواج وينتهي الأمر .... إلا أن هذا الفعل لم يأتِ إلا بالمرارة والعار الذي جلبته لنفسي وأهلي , وتحملته لوحدي دون أن أخبر أحداً من أهلي بما حصل .
آه ياشيخ لقد تخلى الجبان عني بعد ما أحرق قلبي وهتك عرضي وأخذ مالي وبكل بساطة قال : لايشرفني أن تكوني زوجة لي وهو الجاني !!!..... حسبي الله عليه .
وأصبحت الآن في هم وكرب عظيمين لايعلم بحجم مصيبتي إلا الله عزوجل .
فهل أجد لديكم حلاُ لمصيبتي ؟
قلت لها وأنا أتظاهر برباطة الجأش ياأختي سوف نبذل الأسباب لكن أوصيك باللجوء إلى مسبب الأسباب سبحانه وتعالى والله لن يخيبً من دعاه , والله لن يخيبً من رجاه , والله لن يخيبً من سجد بين يديه منطرحاً نادماُ على ذنبه صادقاُ مع مولاه .
أختي خذي هذه الوصفة تفلحي ...
عليك بالاستغفار بالليل والنهار ، وبالأخصِ في الأسحار ، حينما ينزل الله ـ جل جلاله ـ بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا نزولاً حقيقياً يليق بجلاله وعظيم سلطانه{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ، وينادي عبادَه لقضاء مصالحهم وغفرانِ ذنوبهم و زلاتهم ، وقضاءِ حاجاتهم ، وإجابة سؤالهم ودعائهم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قَالَ : « يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي ، فَأَغْفِرَ لَهُ ؟» رواه البخاري ومسلم .
ومن دلائلِ رحمةِ الله وإحسانهِ ما أخبربه سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) [ ال عمران136 .
إلزمي الطاعات واجتنبي المعاصي والخطيئات وعليك بالإخلاص في التوبة لرب الأرض والسموات
أخي الفاضل .... أختي الفاضلة
إن ماحدث لهذه الفتاة كان بسبب جملة من المخالفات الشرعية وهي :
1- عدم تزويج الكفءٌ بسبب عادات جاهلية ماأنزل الله بها من سلطان وفي الحديث الذي صححه الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله : ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الاتفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض } قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }الحجرات / 13 ،
2- التهاون بالأحكام الشرعية وذلك بأرتكاب النواهي وترك الأوامر وإليكم بعضاً من الوصايا التي سماها العلماء بالوصايا العشر. والتي وردت في القرآن الكريم ومنها قوله تعالى:
{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون}.
3- صحبة أصدقاء السوء وأثرهم السيء على المصاحب لهم في العاجل والآجل
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب (استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء)
، عَنْ اَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا اَنْ يُحْذِيَكَ وَإمَّا اَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإمَّا اَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إمَّا اَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإمَّا اَنْ تَجِدَ منه رِيحًا خَبِيثَةً ".
وأخيراُ نبتهل إلى الله بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول : ربً أعني ولا تُعن علىً وأنصرني ولا تنصر علىً , وامكر لي ولا تمكر عليً, واهدني ويسرً لي الهدى , وانصرني على من بغا عليً ربً اجعلني لك شكارا , لك ذكارا , لك رهاباً , لك مطواعاً , لك مخبتاً , إليك أواهاً منيباً , ربً تقبل توبتي , واغسل حوبتي , وأجب دعوتي , وثبت حجتي , وسدًد لساني , واهدِ قلبي , واسلل سخيمة صدري . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين